سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قلت: من قرأ: {أإن} بهمزتين، فهو اسم استفهام، ومن قرأ بهمزة واحدة، فيحتمل أن يكون خبرًا، كأنهم قالوا: لا بد لنا من أجر، أو استفهامًا حُذفت منه الهمزة، والتنكير للتعظيم، واستأنف الجملة، كأنها جواب عن سائل قال: فماذا قالوا إذ جاؤوا؟ قالوا: إن لنا لأجرًا... إلخ، و{إنكم}: عطف على ما سدّ مسده نعم، من تمام الجواب، كأنه قال: نعم نعطيكم الأجر ونقربكم.
يقول الحقّ جلّ جلاله: {وجاء السحرةُ فرعونَ} بعد ما أرسل الشرطة في طلبهم، {قالوا} لما وصلوا إليه: {إن} أئن {لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالبين} لموسى؟ {قال نعم} إن لكم أجرًا {وإنكم لَمِنَ المقربين} إليّ. فأنعم لهم بالأجر، وزادهم التقريب منه والجاه عنده؛ تحريضًا لهم. واختُلف في عدد السحرة اختلافًا متباينًا، من سبعين رجلاً إلى سبعين ألفًا، وكل ذلك لا أصل له في صحة النقل.
ولمَّا خرجوا إلى الصحراء لمقابلته {قالوا يا موسى إما أن تُلقي وإما أن نكونَ نحن الملقين}؛ خيّروا موسى مراعاة للأدب، وإظهارًا للجلادة، ولكن كانت رغبتهم في أن يلقوا قبله، ولذلك عبَّروا عن إلقاء موسى بالفعل وعن إلقائهم بالجملة الاسمية، وفيه إشارة إلى أنهم أهل الإلقاء المتمكنون فيه. ولذلك أسعفهم، {قال ألقوا} أسعفهم كرمًا ومسامحة وازدراءً بهم، {فلما ألقوا سحروا أعين الناس}، بأن خيلوا إليها خلاف ما في حقيقة الأمر، {واسترهبوهم} أي: خوفوهم بما أظهروا لهم من أعمال السحر، {وجاؤوا بسحر عظيم} في فَنّه. رُوِي أنهم ألقوا حبالاً غلاظًا، وخشبًا طوالاً، كأنها حيات، ملأت الوادي، وركب بعضها بعضًا.
{وأوحينا إلى موسى أن ألقِ عصاكَ}، فألقاها، فصارت ثعبانًا عظيمًا، على قدر الجبل، وقيل: إنه طال حتى جاوز النيل، {فإذا هي تَلقَفُ} أي: تبتلع {ما يأفِكُون} ما يُزَوِّرُونَهُ من إفكهم وكذبهم، رُوِي أنها لما ابتلعت حبالهم وعصيهم، وكانت ملأت الوادي، فابتلعتها بأسرها، أقبلت على الحاضرين، فهربوا وازدحموا حتى هلك منهم جمع عظيم، ثم أخذها موسى فصارت عصًا كما كانت، فقال السحرة: لو كان هذا سحرًا لبقيت حبالنا وعصينا.
{فوقعَ الحقُّ} أي: ثبت بظهور أمره، {وبَطَلَ ما كانوا يعملون فَغُلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} أي: صاروا أذلاء مبهوتين، أو انقلبوا إلى المدينة مَقهورين.


يقول الحقّ جلّ جلاله: {وأُلقى السحرةُ} على وجوهم {ساجدين} لما عرفوا الحق وتحققوا به، فآمنوا؛ لأن الحق بهرهم، واضطرهم إلى السجود بحيث لم يتمالكوا، أو ألهمهم الله ذلك وحملهم عليه، حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسف موسى، وينقلب الأمر عليه.
{قالوا آمنا بربِّ العالمين ربِّ موسى وهارون} أبدلوا الثاني من الأول؛ لئلا يتوهم أنهم أرادوا به فرعون. {قال فرعونُ آمنتم به} أي: بالله أو بموسى، {قبل أن آذن لكم إنَّ هذا لمكرٌ مكرتموه} أي: إن هذه لَحيلة صنعتموها أنتم وموسى {في المدينة}؛ في مصر، ودبرتموها قبل أن تخرجوا للميعاد؛ {لتُخرِجُوا منها أهلها} أي: القبط، وتخلص لكم ولبني إسرائيل، {فسوف تعلمون} عاقبة ما صنعتم.
ثم فصّل ما هددهم به، فقال: {لأقطعّن أيديكم وأرجلكم من خلاف} من كل شق عضو، كَيَدٍ ورِجل من كل واحد {ثم لأُصلبنَكم أجمعين} تفضيحًا لكم وتنكيلاً لأمثالكم، وليس في القرآن أنه أنفذ ذلك، ولكن رُوِي عن ابن عباس وغيره أنه فعله. قيل: إنه أول من سنَّ ذلك أي: القطع من خلاف فشرعه الله للقطاع تعظيمًا لجرمهم، فلذلك سماه الله محاربة لله ورسوله.
{قالوا} أي: السحرة لما خوفهم: {إنا إلى ربَّنا منقلبون} بالموت، فيكرم مثوانا، فلا نُبالي بوعيدك، كأنهم اشتاقوا إلى اللقاء، فهان عليهم وعيده، أو إنا وأنت إلى ربنا منقلبون، فيحكم بيننا وبينك، {وما تَنقِمُ منا} أي: وما تعيب علينا {إلا أن آمنا بآيات ربَّنا لما جاءَتنا}، وهو لا يعاب عند العقلاء، لأنه خير الأعمال، وأصل المناقب ومحاسن الخلال، ثم فزعوا إلى الله فقالوا: {ربنا أفرِغ علينا صبرًا} أي: اصبب علينا صبرًا يغمرنا، كما يُفرغ الماء على الشيء فيغمره، {وتوفنا مسلمين} ثابتين على الإسلام. قال البيضاوي: قيل إنه فعل بهم ذلك، وقيل: إنه لم يقدر عليه، لقوله: {أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القَصَص: 35]. اهـ. وقد تقدم قول ابن عباس وغيره. والله تعالى أعلم.
الإشارة: انظر من سبقت له العناية، هؤلاء السحرة جاؤوا يُحادون الله فأمسوا أولياء الله، فكم من خصوص تخرج من اللصوص، وانظر أيضًا صبرهم وثباتهم على دينهم، وعدم مبالاتهم بعدوهم، هكذا ينبغي أن يكون مَن مراده مولاه، لا يلتفت إلى شيء سواه، وعند هذه التصرفات يفتضح المُدّعُون ويثبت الصادقون، عند الامتحان يعز المرء أو يُهان.


يقول الحقّ جلّ جلاله: {وقال الملأُ من قوم فرعون أَتذَرُ موسى وقومَه} أي: تتركهم يخالفون دينك {ليُفسدوا في الأرض} أي: يخربوا ملكك بتغيير دينك ودعوتهم إلى مخالفتك، {ويَذَرك وآلهتك} أي: يترك موسى دينك ومعبوداتك التي تعبد، قيل: كان يعبد الكواكب، وقيل: صنع لقومه أصنامًا وأمرهم أن يعبدوها تقربًا إليه. ولذلك قال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النَّازعَات: 24]. قال فرعون في جوابهم: {سَنُقتِّل أبناءَهم} أي: ذكورهم {ونستحي نساءهم} أي: بناتهم، كما كنا نفعل من قبل، ليُعلم أَنَّا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يديه. {وإنا فوقهم قاهرون} غالبون، وهم مقهورون تحت أيدينا.
{قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا}، قاله تسكينًا لهم حين سمعوا قول فرعون وما هددهم به، ثم قال لهم: {إن الأرض لله يُورثها من يشاء من عباده} وسيورثها لكم إن صبرتم وآمنتم. {والعاقبة للمتقين}، فتكون العاقبة لكم إن اتقيتم، وهو وعدٌ لهم بالنصر والعز، وتذكير بما وعدم من إهلاك القبط وتوريثهم ديارهم وملكهم.
{قالوا} أي: بنوا إسرائيل: {أُوذينا من قبل أن تأتينا} بقتل الأبناء، {ومن بعد ما جئتنا} بإعادته، فلم يرتفع عنا الذل بمجيئك، {قال عسى ربُّكم أن يُهلك عدوكم ويستخلِفَكم في الأرض}، تصريحًا بما كِنّى عنه أولاً، لما رأى أنهم لم يتسلوا بذلك، ولعله أتى بحرف الطمع، أي: الترجي؛ لعدم جزمه بأنهم المستخلَفون بأعيانهم، أو أولادهم، وقد رُوِي أن مصر إنما فتح لهم في زمن داود عليه السلام، قاله البيضاوي. {فينظرَ كيف تعملون} أي: فإذا استخلفكم يرى ما تعملون من شكر أو كفران، أو طاعة أو عصيان، فيجازيكم على حسب ما يُوجد منكم من كفر أو إحسان.
الإشارة: ما وقع للأنبياء مع قومهم وقع مثله لأشياخ هذه الأمة وفقرائها مع أهل زمانهم، ولما كثرت الأحوال من الفقر أو خرق العوائد، وظهروا بتخريب ظواهرهم، وقعت بهم الشكاية إلى السلطان، وقالوا له: هؤلاء يخربون ملكك، فآل على نفسه إنَّ مكنه الله منهم لا يترك منهم أحدًا، فكفى الله بأسه، فاستعانوا بالله وصبروا، واشتغلوا بذكر الله، وغابوا عمن سواه، فكانت العاقبة للمتقين.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15